وبعدها راجعت نفسي وتذكرت أني قد عاهدتها أن لا اتزوجها ما لم تحبني..
مرت الايام ثقيلة.. ومرة اصبت بحمى بسبب البرد الذي يصيب المناطق
الصحراوي.. وأخذت اجازة من العمل.. وقعدت طريح الفراش ليومين كاملين..
وبعدما استيقظت.. وجدت فطوم بجانبي.. وكانت الساعة الرابعة فجرا..
المسكينة كانت نائمة وهي جالسة.. ناديتها.. قاستيقظت بسرعة وقالت لي بحنان
"حبيبي حمادة.. تكلم، قول شو تبى؟" قالت ذلك وهي تمسد شعري.. جاوبتها
بابتسامة واهنة.. وقبل أن اجيب.. قالت " لحظة شوي؟" فأمسكت هاتفي وطلبت
رقما وسمعتها تقول للجهة الثانية "قومي نشي.. هذو صحى وما في إلا
العافية.." سكتت شوي.. وبعدها سمعتها تهمس " ليش تبكي؟" حاولت التفكير
فيمن تكلم الآن وبعدها عاد لي وعيي بالكامل.. فواقي تبكي.. ليش؟؟.. خطفت
السماعة من فطوم بسرعة.. ولم تنتبه فواقى للحركة.. سمعتها تقول "....
والله ما كنت نايمة.. بس غفلت شوي.. كنت اصلي لله عشان يشفيه.. تعرفي
فطوم.. جلست افكر هاليومين.. وتعبت من التفكير.. اكتشفت شئ.. أني احب محمد
من قلبي.. بس لاتقوليله شئ.. أنا اريد اتأكد؟" فلم اتمالك نفسي.. قلت بصوت
خافت"تنتظري شو الفرج؟؟"
سمعتها تشهق من الصدمة.. قالت بفرح مصدوم "
محمد.. شخبارك؟؟ اه اه اه اه.. قالولي مريض.. سلامات؟" لا ادري لماذا
صوتها يعذبني كثيرا!! قلت لها " حبيبتي.. أنا اليوم المساء في بيتكم..
خلاص قررت نتزوج أنا وانت؟؟" لم اسمعها تتكلم ولكن سمعت بكائها الصامت...
آلمني أن تبكي لأن اجبرتها على الزواج مني.. فقلت "حبيبي.. خلاص اذا ما
تبين.. بس خلاص.. انسي الموضوع.. بعدي متأثر بالحمى.. آسف والله.."
قاطعتني وهي تبكي بحرقة "أنت غبي.. ما تحس.. الحين لما اقولك أني انتظر
احبك.. يعني ما احبك.. خليتني ما اعرف انام.. لا ليلي ليل، ولا نهاري
نهار.. كل افكر فيك.. كل اقول في نفسي.. ليش سويت كذا.. بس حسبتك ذكي
بتفهمها على الطاير.. بس طلعت غبي.." صدمني الواقع صدمة عنيفة.. كانت تجري
اختبارا أو تلميحا لحبها لي عندما سألتها ولكني كنت مشوش التفكير.. طلعت
بخلاصة واحدة وهو واقع أنها تحبني.. قلت لها "قوليها وريحيني!!" قالت
والفرحة تخالط دموعها "
والله العظيم أحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــبــــــ
ـــــــك"..
لا ادري ماذا حدث بالدنيا بعدها.. كل شئ صار جميلا.. احسست بأني طائر..
بعمري ما احتسيت المشروبات الكحولية ولكني احسست بالسكرة من حبها..
قالتها.. هي تحبني.. لم يمض على اعترافها 3 اشهر إلا ونحن متزوجان.. وقضيت
أياما ولا احلى معها.. كان كل شئ يهون بمجرد أنت تضحك أو حتى تبتسم.. كل
همومي تزول عندما تضمني إلى صدرها.. دفئها وحنانها.. كلها جميلة.. صرت
اكره الجيش لأنه يبعدني عنها!!
وفي يوم مشؤوم.. اعلنت حالة الطوارئ
القصوى.. واستدعينا جميعا.. من اصغرنا إلى اكبرنا.. لم يستثنى أحد..
وتوجهنا رأسا إلى مقر القيادة الرئيسي.. وعلمنا أن العراق تشن حربا على
الكويت.. والكل كان بانتظار قرار مجلس الامن الخليجي حول ارسال القوات
الخليجية لمساعدة الكويت.. الكل إلا أنا.. كنت مشغولا بها.. اعرف مدى
انشغالها علي.. اذكر مرة تأخرت على المجئ وارسلت ورائي الشرطة واربعة من
ابناء عمها واخواها للبحث عني.. وأنا لم اتأخر سوى ساعتين..
فماذا
ستفعل الآن وأنا تأخرت عليها 3 ايام.. حبيبتي الجميلة.. قلقة.. صدر القرار
بارسال قواتنا للمساعدة في الكويت.. وكنت أنا ضمن القائمة!! إلهي، يا رب..
خذ حياتي الآن ولكن دعني اراها قبل أن اذهب.. لكن لم يستجب لدعائي ذلك..
ذهبنا للقتال وكل في همه.. وبعد مرور اسبوعين على ذهابنا للكويت.. سمحوا
لنا بالاتصال بأهلنا.. فتدافعنا كل للإتصال بأهله.. اتصلت بها واذا بها
ترد وهي واهنة "آلو" فقلت لها بابتسامة "حبيبي هذا أنا.. اخبارك حياتي؟"
صرخت بأعلى صوتها وهي فرحة "حبيبي اخبارك؟، حياتي يأكلونك عدل، تنام عدل..
وينك عني.. ليش ما اتصلت تقولي.. والله كنت بموت" فقاطعتها بسرعة وأنا
غاضب "بعيد الشر عليك.. انشاءالله أنا ولا انتي!! كم مرة قلتلك ما تقولي
هالكلام.. غبية.. بس هم احبك" فردت بسكون فرح "أنا اموت فيك".. وخذتنا
السوالف.. وعندها مر صاحبي وقال لي أن اعطيه بطاقتي العسكرية كي تضاف لها
اسم الفئة والمنطقة التي سنذهب إليها غدا.. فأعطيته لها وقال" 5 دقايق
وراجع لك.. لاتروح مني ولا مني.. ما فيني ادورك؟"..
المهم رجعت لمكالمة
حبيبتي فواقي وبشرتني بأنها حامل بالشهر الاول وهذا ما فسر ضعف صوتها.. من
دون رؤيتها عرفت أنها طريحة الفراش وأنا لست معها لأواسيها!! وفجأة حدث ما
لم يكن بالحسبان.. غارة عسكرية من العدو.. لم تمهلني تلك الغارة أن اغلق
السماعة.. فسمعت فواقي كل شئ.. من شتائم لإطلاق النار لصوت مسؤولنا وهو
يأمر فلان لكي يفعل كذا وكذا.. وبعدها سمعنا صوت اطلاق نار.. رأيت صديقي
الذي اخذ بطاقتي العسكرية وقد كانت حول رقبته وهو يسبح في دمائه.. اقتربت
منه ولكن ضربة على رأسي افقدتني الوعي.. أما فواقي فسمعت المسؤول يقول
"منو اللي طاح.. شوفو بطاقته العسكرية؟" فرد عليه احد المجندين "سيدي، هذا
محمد بن فلان الفلاني!!"
.. ضاقت الدنيا على حبيبتي بما وسعت.. وهنا
انقطعت المكالمة.. بسبب الضربة القوية التي تعرضت لها.. لم استطع الحراك
ولا حتى فتح عيني.. بالنهاية اخبرني الاطباء انه قد اصاب رأسي ارتجاج
حاد.. ما مهم.. المهم حبيبتي فواقي.. شخبارها.. اعفيت من الخدمة بسبب
اصابتي.. وارسلت للبلاد.. وعند وصولي المطار اتصلت بأهلي وردت علي فطوم..
فقلت لها "هلا المصرقعة شخبارك؟".. سكتت فطوم فترة وبعدها قالت بصوت هامس
"محمد هذا أنت؟" قلت لها بسعادة "أي هذا أنا.. توي راجع من الكويت.. واريد
حد يجي ياخذني من المطار ..و..و.. بلاج ليش تصحين؟" ردت فطوم وصوتها
الحزين الذي لم اتعود عليه ابدا "أنت بخير ما فيك شئ.. عيل ليش قالو لنا
انك مت.. وفواقي المسكينة" دارت بي الدنيا "شو صار.. بلاها فواقي؟ تكلمي"
بعد تردد قالت "في المستشفى.. تخبلت لما سمعت انك مت.. وراحت للمقر
الرئيسي مع أبوي.. وتعرف سواقة ابوك؟؟ انقلبت عليهم السيارة.. وابوك ما
تعور..بس فواقي في.. في.. غيبوبة.. وكله تناديك!!" يا الله رحمتك.. قلت
بسرعة "في أي مستشفى؟"
ذهبت للمستشفى ورأيت أمي واهل فواقي موجودين
بالممر.. اندفعت امي نحوي تحضنني.. وتتحمد لي بالسلامة.. لم أرد السلام
على أي احد اردت فقط رؤية فواقي.. منعت عنها الزيارة.. لأنها لا تستيقظ..
صعقت.. حبيبتي فوفو.. رأت الممرضة بطاقة اسمي على لباسي العسكري.. فقالت
"أنت محمد؟" فجاوبتها بهزة من رأسي.. فأمسكت بذراعي وادخلتني الغرفة..
رأيت حبيبتي.. الجميلة النائمة.. لا اعتقد أني رأيت جمالها يتألق مثل ذلك
اليوم.. سمعت الممرضة تقول "كله تناديك، وما على لسانها إلا اسمك..
وااااااااايد تحبك".. اقتربت منها.. ولكن الممرضة قالت أنها لا تحس بأحد
من حولها.. لا اصدق.. اذا كيف كانت تناديني.. وضعت يدي على وجهها وقلت لها
"حبيبي نايم ليش للحين، يالله عاااد مصختيها.. قومي" سمعت الممرضة تبكي..
ووجهها الجميل قد شوهته التقطيبات الطبية ويده الناعمة موصولة بأنابيب
كثيرة.. امسكت يدها بيدي ويدي الأخرى تلاعب وجهها.. حاولت ايقاضها ولكن
بدون فائدة.. فاحنيت رأسي وتدحرجت دمعة عل خدي ووقعت على الفراش.. سمعت
بعدها صوت احد الاجهزة يتغير.. عاااد لي الامل ولكن عاااد صوت الجهاز
للمعتاد.. مات أملي.. معها.. بعدها سمعت صوتا خافتا لا يكاد يسمع "محمد
حبيبي" نظرت لها واذا بها قد فتحتت احدى عينيها والأخرى كانت ملفوفة
بشاش.. اردت أن اضمها بقوة ولكن هي ضعيفة جدا.. ضغطت على يدها بحنو..
ودنيت وجهي من وجهها.. وإذا بها تبكي بصمت.. لم استطع أن اقاوم فاحتضنتها
بين ذراعي واختلطت دموعي بدموعها.. وهي تقول "حبيبي محمد" وأنا قول "حبيبي
فواقي" لا ادري كم مضى من الوقت على تلك الحال.. لكنت فضلت العيش بقية
حياتي بين ذراعيها.. وسمعت تهمس بكلمات تتضمن كلمة الله.. وفجأة ارتخى
جسدها.. وارتسمت ابتسامة على محياها.. لا.. لا.. لا.. لا تتركيني فواقي..
فواقي جاوبيني..
وبعدها فتح الباب واندفع طاقم من الاطباء وابعدوني عن
السرير.. وحاولوا انعاشها ولكن لو يستطيعوا.. وابتعدو عنها بعدما باءت
محاولاتهم بالفشل.. لا لا لا لا لا لا لا وألف لا.. صرخت بهم كي يرجعوا
ولكن لم يسمعني احد.. اتجهت لها وأنا لا اصدق أنها فارقت الحياة.. لا لا
لا لا.. لا تتركيني.. بدأت بالبكاء علي اؤثر بها... ولكن لم ينفع.. بعدها
دخلت أمي وامها وهما تبكيان.. وقالولي اخرج من هنا.. ولكن لا.. لن
اتركها.. طردتهما من الغرفة.. وازحت كل الانابيب الموصولة بحبيبتي جانبا..
حملتها بين ذراعي.. لكم كانت تحب الشمس.. فأخذتها للنافذة وقلت لها "شوفي
الشمس.. واايد حلوة اليوم.. فواقي حبيبي بطلي عينج.. حبيبي؟"
ولكنها لم
تفتحها!! ماذا افعل من دونها.. هل لي قيمة بدونها.. جلست على الأرض وأنا
احتضنها وبكيت بكاء الطفل.. بعدها دخلت فطوم وأخذت يدي ولدهشتي قبلت يدها
الممدوة.. واخذت مني فواقي.. وضعوها على السرير.. واخرجتني فطوم من
الغرفة.. وقالت لي "اسمعني، فواقي كانت حاسة أنها مابتشوفك بس الحمدلله
الله سمع دعاءها.. اترحم عليها ولا تبكي".. نظرت إلى فطوم وإذا بها تبكي
أيضا..ارغموني على الذهاب للبيت.. لكم أحببتها وهذا هو كل ما تبقى لي
منها.. ذكريات وصور وكتاب ملاحظاتها.. رأيت خطها الجميل وقد كانت تشوب
الصفحة آثار دموع جافة ورسالة تقول "يارب.. أموت أنا ومحمد يعيش
تم بحمد الله