حمزة القناوي
العمر : 42 رقم العضوية : 41307 عدد المشاركات : 1395 نقاط النشاط : 8201 التقييم : 67 الجنس : من : وسام البحيرة :
| موضوع: هكذا هزموا الياس (8) (لا تيأس وإن طال البلاء وأشتد البلاء) 9/4/2012, 9:43 pm | |
| لا تيأس وإن طال البلاء
يتضح إيمان المؤمن عند الابتلاء، فهو يبالغ في الدعاء، حتى لو لم يرى أثرًا للإجابة، ولا يتغير أمله ورجاؤه ولو قويت أسباب اليأس، لعلمه أن لله حكمة في ذلك تعجز عقولنا القاصرة عن إدراك أبعادها وهو أعلم بالمصالح منا.. فأما من يريد تعجيل الإجابة ويتذمر إن لم تتعجل، فذاك ضعيف الإيمان، يري أن له حقًا في الإجابة، وكأنه يتقاضى أجرة عمله. أما سمعت أيها المتعجل للإجابة قصة يعقوب عليه السلام، بقي ثمانين سنة في البلاء ورجاؤه لا يتغير، فلما ضُمَّ إلى فقد يوسف فقد بنيامين لم يتغير أمله وقال: عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا [يوسف:83]. وقد كشف هذا المعنى قوله: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214]. ومعلوم أن هذا لم يصدر من الرسول والمؤمنين إلا بعد طول البلاء، ومن هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال العبد بخير ما لم يستعجل» قيل له: وكيف يستعجل؟ قال: «يقول: دعوت فلم يستجب لي». *فإياك إياك أن تستطيل زمان البلاء، وتضجر من كثرة الدعاء، فإنك مبتلى بالبلاء، متعبد بالصبر والدعاء، فلا تيأس من روح الله وإن طال البلاء. همسات *إن الأمس هو شيك تم سحبه، والغد هو شيك مؤجل، أما الحاضر فهو السيولة الوحيدة المتوفرة، لذا فإن علينا أن نصرفه بحكمة. *إن من أجمل الأحاسيس هو الشعور من داخلك بأنك قمت بالخطوة الصحيحة حتى ولو عاداك العالم أجمع. *إن السعادة لا تتحقق في غياب المشاكل من حياتنا، ولكنها تتحقق في التغلب على هذه المشاكل. نكبات.. نحو القمة عام 1938 وحين كان هوندا لا يزال طالبًا في المدرسة، استثمر كل ما يملك في ورشة صغيرة، وبدأ يطور فيها مفهوم حلقة الصمام piston Ring والتي تستخدم للسيارات، وكان يريد أن يبيع ما ينتجه لشركة تويوتا، لذا أخذ يجاهد ليل نهار وذراعاه مغموستان في الشحم حتى مرفقيه، بل إنه رهن مجوهرات زوجته حتى يتمكن من متابعة عمله، غير أنه حين استكمل حلقات الصمام التي صنعها وقدمها لشركة تويوتا، قيل له إنها لا تتوافق مع مقاييس تويوتا، لذا عاد إلى المدرسة لمدة سنتين حيث احتمل وصبر على سخرية مدرسيه وزملائه في الدراسة وهم يتحدثون عن سخافة تصميماته.. فقد كان في نظر الآخرين فاشلاً. لكنه قرر أن يتابع التركيز على هدفه, بدلا من التركيز على الألم الناجم عن تجربته الفاشلة، لقد علم أن المحاولات الفاشلة إنما هي تجارب نتعلم منها ونقترب من خلالها إلى الأفضل، وإنما الفشل الحقيقي هو حين تستسلم وتلقي بأدواتك إلى الأرض. وبعد عامين من العمل الجاد والمثابرة، وقعت معه شركة تويوتا العقد الذي طالما حلم به، لقد اقتنعت تويوتا بتصميمات هوندا البارعة لحلقة الصمام، وطلبت إمدادها بهذه التصاميم.. عزم هوندا على بناء معمل خاص به لعمل تلك التصاميم، لكن الحكومة اليابانية كانت تعد نفسها للحرب ولذا رفض طلبه للحصول على الإسمنت اللازم لبناء المعمل.. فهل توقف؟ هل استسلم؟ لقد قرر أن يحاول ويحاول ويحاول،، حتى تمكن هو وفريقه من اختراع عملية لإنتاج الأسمنت اللازم لهم، وبعد مرور الأيام المصحوبة بالعمل الدؤوب والجهد المتواصل، أصبح المعمل جاهزًا.. وما إن بدأ العمل حتى قصف معمله بقنابل الأمريكان أثناء الحرب، ماذا يعمل؟ أجزاء رئيسة من المعمل قد دمرت.. هل يتراجع؟ لا.. لا بد من إصلاح الأجزاء المتضررة.. أعاد هوندا ومعاونوه ترميم المصنع، وبدأ العمل من جديد، وبعد أيام معدودة نزلت على هذا المعمل قنبلة أمريكية أخرى دمرت أجزاء كثيرة منه. فماذا فعل هوندا؟ لقد أعاد بناء معمله وترميم أجزائه التالفة، وجند فريقه على الفور، فأخذوا يجمعون علب البنزين الفارغة التي كانت المقاتلات الأمريكية تتخلص منها، حيث أطلق على هذه العلب مسمى (هدايا الرئيس الأمريكي ترومان) لأنها وفرت له المواد الأولية التي يحتاجها للعمليات الصناعية التي ينوي القيام بها، وهي مواد لم تكن متوافرة في اليابان آنذاك.. لقد أشرف معمله العتيد على إنتاج الصمامات التي طلبتها تويوتا، لقد اقترب النجاح، وفي هذه الأثناء من الترقب السعيد لمشاهدة أول باكورة إنتاج المصنع، حدث زلزال دمر مصنعه تدميرًا كاملاً، قرر بعدها هوندا بيع عملية صنع الصمامات لشركة تويوتا. لم يكن ذلك استسلامًا من هوندا بقدر ما كان تمايلاً مع أعواد البامبو لتفادي الكسر والاقتلاع، ما زال هوندا كما عهدناه يتقد نشاطًا وهمةً وعزمًا فبعد الحرب عانت اليابان ندرة مريعة في مؤونات البنزين، بحيث أن هوندا لم يعد قادرًا على قيادة سيارته لجلب الطعام لعائلته, وفي النهاية ركَّب هوندا محركًا صغيرًا لدراجته, وسرعان ما أخذ جيرانه يطلبون منه أن يصنع لهم دراجات تسير بقوة محرك، وأخذوا يتدافعون للحصول عليها، بحيث لم يعد يملك هوندا أية محركات، ولذا قرر أن يبني مصنعًا لصنع المحركات لاختراعه الجديد وقد فاز بجائزة إمبراطور اليابان.. وبعد ذلك بدأ بتصدير دراجاته النارية إلى أوربا والولايات المتحدة، ثم بدأ يصنع سيارته في السبعينات من القرن العشرين، وحظيت هذه السيارة برواج واسع النطاق. تستخدم شركة هوندا الآن ما يزيد عن 100.000 عامل في كل من الولايات المتحدة واليابان، وتعتبر إحدى أهم إمبراطوريات صنع السيارات في اليابان، بحيث لا يفوقها في كمية المبيعات في الولايات المتحدة إلا شركة تويوتا.. لقد نجحت هذه الشركة لأن رجلاً واحدًا أدرك ثمرة الإصرار الجاد والجهد المتواصل. *ألا ترى أيها القارئ الكريم أن الناجحين يستحقون فعلاً ما وصلوا إليه!
لماذا يئس عامر؟ كان عامر بن ربيعة – رضي الله عنه – أحد السابقين في الإسلام، يستعد للهجرة إلى الحبشة، فذهب ليقضي بعض حاجات أهله، وترك زوجته تُنهي بعضها، فأقبل عليها عمر بن الخطاب – رضي الله عنه -، حتى وقف عليها وهو لا يزال مشركًا لم يؤمن بعد، قالت: وكنا نلقى منه البلاء أذى لنا وشدة علينا، قالت: فقال: إنه الانطلاق يا أم عبد الله، قلت: نعم والله، لنخرجن في أرض الله، آذيتمونا وقهرتمونا، حتى يجعل الله فرجا، فقال: صحبكم الله، ورأيت له رقة لم أكن أراها، ثم انصرف، وقد أحزنه فيما أرى خروجنا، قالت: فجاء عامر بحاجته تلك، فقلت له: يا أبا عبد الله لو رأيت عمر آنفا ورقته وحزنه علينا، قال: أطمعت في إسلامه؟ قلت: نعم. قال: فلا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب، قالت: يأسًا منه، لما كان يرى من غلظته وقسوته على الإسلام. لقد يأس الصحابي السابق في إسلامه، من إسلام عمر، فقد كان عمر شديد البطش بالمسلمين، قاسيًا غليظًا، ولكن ما كان ميئوسًا منه وقع، وأسلم عمر، بل سبق اليائس منه في المنزلة، والمكانة، وغدا ثالث رجل في دولة الإسلام، وسماه الرسول - صلى الله عليه وسلم- الفاروق، وكان إسلامه عزًا للإسلام وأهله. والعجيب أن أكثر المسلمين لا يعرفون عامر بن ربيعة، ولكن ليس فيهم من لا يعرف عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما-. لقد من الله – تعالى – على عمر بما لم يمن به على اليائس من إسلام عمر، وتفضل على الميئوس منه بفضل عميم لم ينله اليائس ذلكم أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. فلا تيأس من رحمة ربك وإن بدا الأمر مستحيلاً! وقفة شعرية لبستُ ثوب الرجاء والناس قد رقدوا وقمت أشكو إلى مولاي ما أجد
قلت يا أملي في كل نائبة ومن عليه لكشف الضر أعتمدُ
أشكو إليك أمورًا أنت تعلمها مالي على حملها صبر ولا جلدُ
مددت يدي بالذل مبتهلاً إليك يا خير من مدت إليه يدُ
فلا تردنها يا رب خائبة وبحر جودك يروي كل من يردُ
تعلم من أخطائك (هام جدا جدا)
*شاب فقد وظيفته وأرسل بالبريد أكثر من ألفي طلب لوظائف حول العالم وكلها قوبلت بالرفض إلا أنه لم ييأس, ثم أرسل ألفي طلب آخر بالبريد ومرة أخرى رفض طلبه من جميع الشركات وأخيرًا جاءه عرض للعمل في مصلحة البريد وقيل له يومها: إن طريقته في الالتزام والإصرار هي الطريقة التي من الممكن أن تكون سبب نجاحه في العمل في مصلحة البريد. *سئل مندوب مبيعات ناجح في عمله ويصل دخله إلى أكثر من 600.000 دولار سنويًا من موظف جديد عنده (متى تفقد الأمل في عميل من الممكن أن يشتري منك بوليصة وكان رد المندوب المخضرم: (هذا يعتمد على من منا سيموت قبل الآخر)!!. *وهذا وارنر فون براون الذي أدرك أن الأخطاء عامل جوهري في عملية التعلم، ففي أثناء الحرب العالمية الثانية تمكن وارنر من تطوير صاروخ خطط الألمان لاستخدامه في قصف لندن، لكن الصاروخ لم يكن جاهزًا للعمل، فكل تجارب إطلاقه كانت فاشلة، فاستدعاه رؤساؤه الألمان؛ للمثول أمامهم لمواجهته بعد أن وصل عدد ما ارتكبه وارنر من أخطاء 65121خطأ!! فسألوه: كم عدد الأخطاء الأخرى التي ستقع فيها حتى تتمكن من صناعة هذا الصاروخ على النحو الأكمل؟! فأجابهم: إنه ربما سأقع في 50000 خطأ آخر وبعدها قد أنجح في تصنيعه!!! في النصف الثاني من الحرب العالمية الثانية، ضربت ألمانيا أعداءها بقذائف (وارنر) ذاتية الدفع، إذ لم تكن هناك أية دولة تمتلك هذا السلاح. لقد نجح وارنر بعد أكثر من 70 ألف تجربة فاشلة، وهكذا العظماء لا يستسلمون أبدًا مهما تكررت الأخطاء؛ لأنهم يدركون أن الأخطاء ضريبة الإتقان، وأن الفشل ليس بعدد ما تقوم به من أخطاء, بل هو في اللحظة التي تقرر فيها التوقف عن المحاولة... أي عندما تختار الاستسلام. *يقول وليم جيمس: إن الموجات العاتية على سطح مياه المحيط المضطرب لا تصل إلى أعماقه فهي في السطح فقط، والشخص الذي يملك سيطرة على حقائق أكثر اتساعًا واستمرارًا، فإن التغييرات الشديدة التي تصيبه تبدو كأنها أشياء عديمة الأهمية بشكل نسبي، وعلى هذا الأساس يصبح الشخص المتدين بالفعل غير معرض للاهتزاز، ومملوء برباطة الجأش، ومستعد – في هدوء – لأداء أي عمل يتطلب إنجازه.
لا تحزن إن الله معنا
عزمت قريش على قتل النبي صلى الله عليه وسلم حين بلغها نبأ هجرته في تلك الليلة! فلما كانت عتمة من الليل, اجتمعوا على بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه. وقد كانت كل حسابات البشر تقطع بهلاك رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا وهو في الدار والقوم يحيطون بها إحاطة السوار بالمعصم، ومع ذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمل، وأوكل أمره إلى ربه وخرج يتلو قوله تعالى: وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ [يس:9]. خرج الأسير المحصور يذر التراب على الرؤوس المستكبرة التي أرادت قتله, وكأن هذا التراب المذرور رمز الفشل والخيبة اللذين لزما المشركين فيما استقبلوا من أمرهم، فانظر كيف انبلج فجر الأمل من قلب ظلمة سوداء. ويمضي رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريقه يحث الخطى حتى انتهى وصاحبه إلى جبل ثور، ومكثا هناك ثلاثة أيام. ويصل المطاردون إلى باب الغار، ويسمع الرجلان وقع أقدامهم، ويهمس أبو بكر: يا رسول الله لو أن بعضهم طأطأ بصره لرآنا! فيقول صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر, ما ظنك باثنين الله ثالثهما». وكان ما كان، ورجع المشركون، بعد أن لم يكن بينهم وبين النبي وصاحبه إلا خطوات! فانظر مرة أخرى كيف تنقشع عتمة الليل عن صباح جميل، وكيف تتغشى عناية الله عباده المؤمنين إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا [الحج:38]. ويسير الصاحبان في طريق طويل موحش غير مأهول لا خفارة لهما من بشر، ولا سلاح عندهما يقيهما: لا دروع سابغات لا قنا مشرعات لا سيوف منتضاة
قوة الإيمان تغني ربها عن غرار السيف أو سن القناة
ومن الإيمان أمن وارف ومن التقوى حصون للتقاة
ومرة ثالثة يولد الأمل حين يسير الصاحبان حتى إذا كانا في طريق الساحل لحق بهما سراقة بن مالك؛ طامعًا في جائزة قريش مؤملاً أن ينال منهما ما عجزت عنه قريش كلها، فطفق يشتد حتى دنا منهما، وكان على وشك أن يقبض عليهما ليقودهما أسيرين إلى قريش تذيقهما النكال، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلتفت إليه ولا يبالي به فيقول له أبو بكر: يا رسول الله هذا الطالب قد لحقنا، فيقول له مقالته الأولى: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40]. لقد اصطنع الأمل في الله ونصره؛ فنصره الله وساخت قدما فرس سراقة، فلما استوت قائمة إذا لأثر يديها غبار ساطع في السماء كالدخان، فأدرك سراقة أنهم ممنوعين منه، ومرة ثالثة جاء النصر للرسول صلى الله عليه وسلم من حيث لا يحتسب. وعاد سراقة يقول لمن قابله في طريقه ذاك: ارجع فقد كفيتكم ما ههنا. *ما أحوجنا ونحن في هذا الزمن، زمن الهزائم والانكسارات والجراحات إلى تعلم فن صناعة الأمل.
لا...تسخط!
- قال عليه الصلاة والسلام: «إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط». وقال -صلى الله عليه وسلم-: «يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم: هل رأيت خيرًا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة صبغة، فيقال له: يا ابن آدم هل رأيت بؤسًا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب ما مر بي بؤس قط ولا رأيت شدة قط». وفي وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس: «يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» رواه الترمذي وفي رواية غير الترمذي زيادة «احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا». *أقوال في تهوين المصائب: *قال بعض السلف: لولا مصائب الدنيا، لوردنا الآخرة مفاليس. *وقال معروف الكرخي –رحمه الله-: إن الله يبتلي المؤمن بالأسقام والأوجاع، فيشكو إلى أصحابه، فيقول له الله تعالى: بعزتي وجلالي ما ابتليتك بهذه الأوجاع، إلا لأغسلك من الذنوب فلا تشكني. *وقال وهب بن منبه: لا يكون الرجل فقيهًا كامل الفقه حتى يعد البلاء نعمة، ويعد الرخاء مصيبة، وذلك لأن صاحب البلاء ينتظر الرخاء، وصاحب الرخاء ينتظر البلاء. *وقيل للقمان الحكيم: أي الناس خير؟ قال: الذي يرضى بما أوتي.
صمود..امرأة!
لما فشل المنافقون في محاولاتهم التخذيلية، وخابت آمالهم في هزيمة المسلمين، تحولوا إلى حلقة جديدة من سلسلة الإيذاءات والمحن، وذلك من خلال أسلوب التخريب الداخلي بنشر الإشاعات المغرضة الهدامة، التي من شأنها أن تزلزل بنيان المجتمع الإسلامي وتشل حركته، ففي أثناء عودة المسلمين إلى المدينة بعد غزوة بني المصطلق نزلت عائشة أم المؤمنين لتقضي حاجتها، فلما عادت إلى هودجها فقدت عقدًا لها، فرجعت تبحث عنه حتى وجدته، وفي هذه الأثناء تحرك الجيش، وحمل الرجال هودجها فوضعوه على البعير وهم يحسبونها فيه، إذ كانت صغيرة خفيفة، وكان الحمالون جماعة لم ينتبهوا لخفة الهودج، ومضى المسلمون إلى المدينة وقد تركوها في البيداء، فمكثت في مكانها وقد علمت أنهم سيفقدونها ويرجعون إليها، ثم غلبتها عيناها فنامت، فمر بها صفوان بن المعطل –رجل من خيار الصحابة رضي الله عنه – قد نزل أخريات الجيش ونام هو الآخر، فلما مر بها استرجع ولم يكلمها وإنما أناخ لها بعيره لتركب, ثم سار بها يقودها حتى قدم بها وقد نزل الجيش في نحر الظهيرة، فوجد المنافقون الفرصة سانحة لإطلاق سهام الشائعات، فنشروا الريب، وأذاعوا الكذب، فما وصلوا إلا وقد أفاض أهل الإفك في إفكهم وضاق النبي صلى الله عليه وسلم ذرعًا بدعايات المنافقين، لكنه بشر من البشر، ليس له اطلاع على غيب مكنون ولا ضمير مجهول. وكان من حكمة الله عز وجل أن يتأخر الوحي شهرًا حتى بلغت القلوب الحناجر، والنبي صلى الله عليه وسلم في كرب عظيم، ماذا يفعل أمام تلك الشائعات؟ كل هذا وعائشة -رضي الله عنها- لا تدري شيئًا عما حدث حولها؛ لأنها لما رجعت المدينة مرضت فلم تشعر بما يتناقله الناس، إلا أنها كانت تستشكل غياب ود النبي عليه السلام وتلطفه الذي كان يزيد في حال مرضها، لكنها لم تر ذلك في مرضها هذا، ثم أنها علمت بما يخوض فيه الناس من شأنها، فازداد مرضها واستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي أبويها فأذن لها، وهناك أكدت لها أمها خوض الناس في شأنها، فقالت سبحان الله! أوقد تحدث الناس بهذا، فبكت تلك الليلة لا يرقأ لها دمع ولا تكتحل بنوم، وهي تنتظر أن يعلم الله نبيه ببراءتها برؤيا صادقة، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه كان في أشد الحاجة إلى وحي يطمئن نفسه ويذب عن عرضه, ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها في بيت أبيها، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «يا عائشة، إنه قد كان ما قد بلغك من قول الناس فاتقي الله وإن كنت قد قارفت سوءا، مما يقول الناس فتوبي إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده؛ قالت: فوالله ما هو إلا أن قال لي ذلك فقلص دمعي، حتى ما أحس منه شيئًا، وانتظرت أبوي أن يجيبا عني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يتكلما. قالت: وأيم الله لأنا كنت أحقر في نفسي، وأصغر شأنًا من أن ينزل الله فيَّ قرآنًا يقرأ به في المساجد ويصلى به ولكني قد كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومه شيئًا يكذب به الله عني، لما يعلم من براءتي، أو يخبر خبرًا، فأما قرآن ينزل في فوالله لنفسي كانت أحقر عندي من ذلك، قالت: فلما لم أر أبوي يتكلمان قلت لهما: ألا تجيبان رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: فقالا: والله ما ندري بماذا نجيبه قالت: والله ما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على آل أبي بكر في تلك الأيام, قالت: فلما أن استعجما علي استعبرت فبكيت، ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبدًا. والله إني لأعلم لئن أقررت بما يقول الناس والله يعلم أني منه بريئة لأقولن ما لم يكن, ولئن أنا أنكرت ما يقولون لا تصدقونني. ولكن سأقول كما قال أبو يوسف: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف:18]. قالت فوالله ما برح رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه حتى تغشاه من الله ما كان يتغشاه فسجى بثوبه ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه, فأما أنا حين رأيت من ذلك ما رأيت، فوالله ما فزعت ولا باليت، قد عرفت أني بريئة وأن الله عز وجل غير ظالمي، وأما أبواي فوالذي نفس عائشة بيده ما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظننت لتخرجن نفسيهما، حزنًا من أن يأتي من الله تحقيق ما قال الناس قالت ثم سري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فجلس وإنه ليتحدر منه مثل الجمان في يوم شات فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك. ترى... ما الذي جعل عائشة رضي الله عنها صامدة هكذا رغم نظرات الشك ممن حولها؟ إنه الإيمان برحمة ربها وعدم اليأس من انبلاج الحق من عنده! إنه الأمل وحسن الظن بالله الذي يلامس النفس المؤمنة بربها فيزيدها ثقة بسرعة الفرج وتبدد الظلم!
رسالة إلى مهموم
أيها المهموم: اصبر وما صبرك إلا بالله، استقبل المكاره برحابة صدر... استقبل الهموم والغموم بقوة وشجاعة تناطح السحاب... اصبر مهما داهمتك الخطوب.. اصبر مهما أظلمت أمامك الدروب... فإن مع العسر يسرًا... وإن مع الكرب فرجًا... أيها المهموم: إذا أصابك ما يهمك... ونزلت عليك النوازل... وأصابتك الملمات... وقهرك الرجال... وفشلت في الأعمال... فلا تغضب... ولا تجزع... ولا تنهر أهلك... ولا تشتك إلى أحد... ولا تجعل شدة المصيبة على أبيك أو على ولدك أو على أخيك أو على سيارتك ولكن قل... الحمد لله... قل.. الشكر لله... قل قدر الله وما شاء فعل... استسلم للقدر... لا تتسخط... لا تتذمر... اعترف بالقضاء والقدر... وليهدأ بالك... ولا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا, ولكن قل قدر الله وما شاء فعل... أيها المهموم: سوف أدلك على واسطة تحقق لك كل ما تريد... ولكن إذا نويت الدخول عليه. فتهيأ تهيؤاً كاملاً والتزم بالشروط التي يجب إحضارها إليه؛ من أجل أن يقبل ما عندك... أرسل له برقية مباشرة بينك وبينه؛ حتى تخرج من عنده بثقة كاملة في الحصول على المطلوب... من الواسطة الذي ستذهب إليه هذه الليلة؟ إنه ملك الملوك... إنه رب الوزراء... إنه إله الرؤساء... إنه الله الذي أمره بين الكاف والنون... إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. فاستعد قبل الدخول عليه. وادخل عليه لوحدك في ظلمة الليل... ادخل عليه في ذلك الوقت الذي ينام فيه أهل الواسطة الذين نتعلق بهم... ولكن... ما نام الذي ما تنام عينه... ما نام الحي القيوم... يقول للعباد... ...هل من داعٍ فأستجيب له... هل من مستغفر فأغفر له... في هذا الوقت قدم ما لديك على ربك... ادعه... ناده... ثم إذا فرغت من دعائك له، فإنك سوف تفوز بأحد ثلاثة أشياء. إما أن يحقق لك طلبك... وإما أن يدخر لك يوم القيامة بشيء أفضل بكثير, وكثير مما تطلبه في هذه الدنيا... وإما أن يدفع الله بهذا الدعاء بلاء ينزل عليك من السماء... أيها المهموم: إذا ضاق صدرك... وصعب أمرك... ...وأظلمت في وجهك الأيام... فعليك بالصلاة... الصلاة مستشفى تداوي البشر من السقم وتشرح الصدر من الهم والألم، كان الرسول في المهمات العظيمة يشرح صدره بالصلاة، وكان العظماء يحاطون بالنكبات، فيفزعون إلى الصلاة، فيفرج الله عنهم. أيها المهموم: أبشر باللطف الخفي... أبشر بالأمل المشرق... أبشر بالمستقبل الحافل... فقد آن أن تداوي شكك باليقين... قد آن أن تقشع عنك غياهب الظلام بفجر صادق... قد آن أن تقشع مرارة الأسى بحلاوة الرضا... أبشر أيها المهموم... بصبح يملؤك نورًا... أيها المهموم... اطمئن فإنك تتعامل مع اللطيف بالعباد والرحيم بالخلق. أيها المهموم... اطمئن فإن العواقب حسنة، والنتائج مريحة، والخاتمة كريمة. وفاز...بالكنز!
هوارد كارتر خبير الآثار والتاريخ يجري دراساته للبحث عن كنز توت عنخ آمون المدفون في مكان ما في أرض مصر... وبعد الدراسات المكثفة والاطلاع على مئات الأبحاث، يحدد هوارد مكان الكنز... عملية التنقيب هذه مكلفة جدًا، لا بد لها من ممول يتحمل كل التكاليف المتعلقة بعملية التنقيب... لقد وجد هوارد ضالته وأقنع أحد المهتمين الأثرياء لدعم مشروعه وتمويله. بدأ فريق هوارد وفريق العمل يدق الفؤوس على المكان الذي حدده هوارد، وبعد مضي أيام على الحفر تبين أنهم في المكان غير المقصود... دخل هوارد خيمته وأخذ يعيد حساباته وقياساته.. هذه المرة لا بد أن تكون قياساتي دقيقة.. عرف هوارد خطأه وحدد مكانًا آخرًا دلت الحسابات على صحته، فانتقل العمال إلى الموضع الجديد وبدؤوا الحفر.. وبعد أيام تبين أنهم أيضا في المكان غير الصحيح. لقد بدأت الشكوك تساور ممول المشروع عن كفاءة وخبرة هوارد في البحث والتنقيب، لقد ضيع وقته وأمواله في عمل لا طائل من ورائه، ضاعت الأموال والجهود في هذا الوادي الموحش... طلب هوارد الصبر والتريث من ممول المشروع... إنك يا سيدي ستجني الكثير من الأموال إن ربحنا.. حسنا يا هوارد سأعطيك فرصة أخرى، هيا استمر، وأخذ يغريه بالأموال التي ستتدفق عليه بلا حساب فمنحه فرصة أخرى. أعاد هوارد حساباته وقياساته وحدد الأماكن التي لا يتجاوزها هذا الكنز بحال من الأحوال، وبدأ الحفر في كل هذه الأماكن، وبعد العمل الجاد والحفر الدائم المستميت، تبين أن كل الأماكن التي رسمها هوارد لعماله كانت خاطئة.. وهنا يصرخ ممول المشروع الثري: هيا يا هوارد لنرحل من هنا، لنرحل عن هذا الوادي، إنك حقا قد ضيعت وقتي ومالي. وبينما يجهز العمال أنفسهم للرحيل، يأخذ هوارد خريطة الوادي بسرعة ويبدأ ينظر لها من جديد، لا بد أنه هنا.. سأجري آخر حساباتي لن أيأس.. وبسرعة يرسم هوارد ويحدد للعمال موضع الحفر.. يسمع ممول المشروع أمر هوارد لعماله بالحفر رغم كل تلك المحاولات الفاشلة التي أجراها في هذا الوادي، يصرخ هذا بوجه هوارد، ويطلب منه الرحيل وعدم هدر المزيد من الجهد والمال.. كف عن هذا يا هوارد.. المحاولات كلها فاشلة.. سيدي أعطيني آخر فرصة.. فرصة واحدة فقط أرجوك.. فقط واحدة.. حسنا يا هوارد.. سأمنحك هذه الفرصة الأخيرة!!! ثم يقول هوارد في هذه اللحظة السحرية.. ما كدنا نضرب معولاً واحدًا في الأرض في آخر جهد يائس، حتى حققنا اكتشافًا فاق أكثر أحلامنا شططًا بكثير.. إنه كنز توت عنخ آمون. *ألا يستحق هوارد الكنز بعد كل هذا الإصرار وعدم الاستسلام لليأس؟ عزيمة رغم السياط يقول الإمام أحمد بن حنبل واصفًا شيئًا من محنته: لما جيء بالسياط نظر إليها المعتصم ثم قال للجلادين: تقدموا فجعل يتقدم إلى الرجل فيضربني سوطين وهكذا، فلما ضربت 19 سوطًا، قام إليَّ وقال: يا أحمد علام تقتل نفسك؟! إني والله عليك لشفيق، أتريد أن تغلب هؤلاء؟ وجعل بعضهم يقول: ويلك، الخليفة على رأسك قائم، وقال بعضهم: يا أمير المؤمنين دمه في عنقي، اقتله؟ فقال المعتصم: ويحك يا أحمد ما تقول؟ فأقول" أعطوني شيئًا من كتاب الله, أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقول به؛ ليبرهن لهم أنه ثابت على قوله أن القرآن كلام الله غير مخلوق. فرجع المعتصم وجلس وقال للجلاد: تقدم وأوجع قطع الله يدك، ثم قام المعتصم ثانية، فجعل يقول: ويحك يا أحمد أجبني، فجعل الناس يقبلون عليَّ ويقولون: يا أحمد إمامك على رأسك قائم أجبه؛ حتى يطلق عنك أيدينا. فقلت: يا أمير المؤمنين، أعطوني شيئًا من كتاب الله، فيرجع، ويقول للجلادين: تقدموا. فجعل الجلاد يتقدم ويضربني سوطين ويتنحى. فقال أحمد: فذهب عقلي من شدة الضرب. وبعد الضرب الشديد والسجن، خاف المعتصم أن يموت الإمام أحمد، فيثور الناس عليه، فرفع عنه الضرب وسلمه إلى أهله. ما الذي جعل الإمام أحمد بن حنبل يصبر على الجلد الذي لا تتحمله الجبال الراسيات؟ ما الذي جعله لا يلين ولا يتراجع عن إصراره وعزمه؟ ما الذي طرد من نفسه اليأس والقنوط رغم أن عدوه قد أحكم عليه قبضته فلا فكاك له منه؟ *إنه الأمل وعدم اليأس من روح الله وهكذا المؤمنون يستمدون قوتهم من النور الرباني, حين تدلهم الخطوب من حولهم فرحم الله الإمام رحمة واسعة. أحسن الظن بخالقك حسن الظن بالله عبادة قلبية جليلة لا يتم إيمان العبد إلا بها؛ لأنها من صميم التوحيد وواجباته، حسن الظن بالله هو ظن ما يليق بالله تعالى, واعتقاد ما يحق بجلاله وما تقتضيه أسماؤه الحسنى وصفاته العليا؛ مما يؤثر في حياة المؤمن على الوجه الذي يرضي الله تعالى، حسن الظن بالله تعالى أن يظن العبد أن الله تعالى راحمه وفارج همه وكاشف غمه, وذلك بتدبر الآيات والأحاديث الواردة في كرم الله وعفوه وما وعد به أهل التوحيد. «أنا عند ظن عبدي بي» -قال ابن حجر رحمه الله في الفتح: (أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به). -قال النووي (قال القاضي: قيل معناه بالغفران له إذا استغفر، والقبول إذا تاب، والإجابة إذا دعا، والكفاية إذا طلب، وقيل: المراد به الرجاء وتأميل العفو وهو أصح). وقد حثت النصوص النبوية علي حسن الظن بالله ودعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال «لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل»و «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه». يقول ابن القيم رحمه الله: (أكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء؛ فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله، ولسان حاله يقول: ظلمني ربي ومنعني ما أستحق، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره ولا يتجاسر على التصريح به ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها، رأي ذلك فيها كامنًا كمون النار في الزناد، فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته، لرأيت عنده تعتبًا على القدر وملامة له، واقتراحًا عليه خلاف ما جرى به، وأنه ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك فإن تنجو منها؛ تنجو من ذي عظيمة وإلا فإني لا أخالك ناجيًا. السلف وحسن الظن بالله. *كان سعيد بن جبير يدعو ربه فيقول: (اللهم إني أسألك صدق التوكل عليك وحسن الظن بك). *وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول (والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئًا خير من حسن الظن بالله عز وجل، والذي لا إله غيره لا يحسن عبد بالله عز وجل الظن إلا أعطاه الله عز وجل ظنه؛ ذلك بأن الخير في يده). عبد العزيز بن باز.. الشيخ الضرير هو عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله آل باز، وآل باز أسرة عريقة في العلم والتجارة والزراعة معروفة بالفضل والأخلاق أصلهم من المدينة النبوية، ولد في الرياض عاصمة نجد يوم الثاني عشر من شهر ذي الحجة سنة 1330هـ، وترعرع فيها وشب وكبر، ولم يخرج منها إلا ناويًا للحج والعمرة. كان سماحة الشيخ عبد العزيز – رحمه الله – مبصرًا في أول حياته، وشاء الله لحكمة بالغة أن يضعف بصره في عام 1346هـ إثر مرض أصيب به في عينيه ثم ذهب جميع بصره في عام 1350هـ، وعمره قريب من العشرين عامًا؛ ولكن ذلك لم يثنه عن طلب العلم، أو يقلل من همته وعزيمته, بل استمر في طلب العلم ملازما لصفوة فاضلة من العلماء الربانيين والفقهاء الصالحين، فاستفاد منهم أشد الاستفادة، وأثروا فيه في بداية حياته العلمية، بالرأي السديد، والعلم النافع، والحرص على معالي الأمور، والنشأة الفاضلة، والأخلاق الكريمة، والتربية الحميدة، مما كان له أعظم الأثر، وأكبر النفع في استمراره. ومما ينبغي أن يعلم أن سماحة الشيخ عبد العزيز – رحمه الله – قد استفاد من فقده لبصره فوائد عدة تذكر على سبيل المثال منها أربعة أمور: الأمر الأول:حسن الثواب، وعظيم الأجر من الله سبحانه وتعالى، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه في حديث قدسي أن الله تعالى يقول: «إذا ابتليت عبدي بفقد حبيبتيه عوضتهما الجنة» (البخاري). الأمر الثاني: قوة الذاكرة والذكاء المفرط: فالشيخ- رحمه الله – حافظ العصر في علم الحديث فإذا سألته عن حديث من الكتب الستة، أو غيرها كمسند الإمام أحمد والكتب الأخرى تجده في غالب أمره مستحضرًا للحديث سندًا ومتنًا، ومن تكلم فيه، ورجاله وشرحه. الأمر الثالث:إغفال مباهج الحياة، وفتنة الدنيا وزينتها، فالشيخ – رحمه الله – كان متزهدًا فيها أشد الزهد، وتورع عنها، ووجه قلبه إلى الدار الآخرة، وإلى التواضع والتذلل لله سبحانه وتعالى. الأمر الرابع: استفاد من مركب النقص بالعينين، إذ ألح على نفسه ورفعها بالجد والمثابرة حتى أصبح من العلماء الكبار، المشار إليهم بسعة العلم، وإدراك الفهم، وقوة الاستدلال وقد أبدله الله عن نور عينيه نورًا في القلب، وحبًا للعلم، وسلوكًا للسنة، وسيرًا على المحجة، وذكاءً في الفؤاد. ومما زاد هيبته أنه ابتعد عن ساقط القول، ومرذول اللفظ، وما يخدش الحياء أشد الابتعاد. ومع هذه المكانة العظيمة، والمنزلة السامية، والهيبة، فإنه آية في التواضع، وحسن المعاشرة، وعلو الهمة، وصدق العزيمة، مع عزة في النفس، وإباء في الطبع، بعيد كل البعد عن الصلف والتكلف المذموم كأنه وضع بين نصب عينيه قوله تعالى: وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ. شيخ ضرير.. لم يقف العمى حائلاً بينه وبين طلب العلم.. ولم يكن هذا الابتلاء سببًا في سكون اليأس في نفسه! بل إنه استسلم لقضاء ربه وآمن به فأسبغ عليه الرحمن من فضله ورزقه من قوة الحفظ والتعمق بالعلم, ما جعله يستحق ما وصل إليه من المكانة الرفيعة والمنزلة العالية. *فانظر أيها اليائس وتفكر كم واحد مبصر عاش في زمن الشيخ وطواه التاريخ بين صفحاته دون أن يسطر ذكره أو حتى يذكر أثر له قدمه للإنسانية! من أقوال...الناجحين! *لا يحزنك أنك فشلت ما دمت تحاول الوقوف على قدميك من جديد. *سأل الممكن المستحيل: أين تقيم؟ فأجابه في أحلام العاجزين. *الألقاب ليست سوى وسام للحمقى والرجال العظام ليسوا بحاجة لغير اسمهم. *لا تفكر في المفقود حتى لا تفقد الموجود. *البستان الجميل لا يخلو من الأفاعي. *لا داعي للخوف من صوت الرصاص.. فالرصاصة التي تقتلك لن تسمع صوتها. *لا يوجد رجل فاشل ولكن يوجد رجل بدأ من القاع وبقي فيه. *يشعر بالسعادة من يغسل وجهه من الهموم, ورأسه من المشاغل, وجسده من الأوجاع. *إذا بلغت القمة فوجه نظرك إلى السفح؛ لترى من عاونك في الصعود إليها, وانظر إلى السماء؛ ليثبت الله أقدامك على الأرض. *قليل من العلم مع العمل به.. أنفع من كثير من العلم مع قلة العمل به... *إذا أعطيت فقيرًا سمكة, تكون قد سددت جوعه ليوم واحد فقط.. أما إذا علمته كيف يصطاد السمك, تكون قد سددت جوعه طوال العمر. *عندما يمشي الكسل في الطريق, فلا بد أن يلحق به الفقر. *الشجرة العاقر لا يقذفها أحد بحجر. *كل الظلام الذي في الدنيا لا يستطيع أن يخفي ضوء شمعة مضيئة. *خير لك أن تسأل مرتين من أن تخطأ مرة واحدة.
قلب حزين..!
حكم فرعون مصر وكان ملكًا جبارًا؛ أجبر المصريين على عبادته وقد رأى أن بني إسرائيل يتكاثرون ويزيدون, بل وسمعهم يتحدثون عن نبوءة تقول: إن واحدًا من أبناء إسرائيل سيسقط فرعون مصر عن عرشه. فأصدر أمره ألا يلد أحد من بني إسرائيل، أي أن يقتل أي ذكر يولد. وبدأ تطبيق النظام، ثم قال مستشاروه فيما بعد: إن الكبار من بني إسرائيل يموتون بآجالهم، والصغار يذبحون، وهذا سينتهي إلى إفناء بني إسرائيل، فستضعف مصر لقلة الأيدي العاملة بها. والأفضل أن تنظم العملية بأن يذبح الذكور في عام ويتركون في العام الذي يليه. ووجد الفرعون أن هذا الحل أسلم، وحملت أم موسي بهارون في العام الذي لا يقتل فيه الغلمان، فولدته علانية آمنة. فلما جاء العام الذي يقتل فيه الغلمان ولدت موسى. حمل ميلاده خوفًا عظيمًا لأمه، خافت عليه من القتل. راحت ترضعه في السر، ثم جاءت عليها ليلة مباركة أوحى الله فيها للأم بصنع صندوق صغير لموسى، ثم إرضاعه ووضعه في الصندوق، وإلقائه في النهر. كان قلب الأم، وهو أرحم القلوب في الدنيا، يمتلئ بالألم وهي ترمي ابنها في النيل، لكنها كانت تعلم أن الله أرحم بموسى منها، وهو ربه ورب النيل. لم يكن الصندوق يلمس مياه النيل حتى أصدر الخالق أمره إلى الأمواج أن تكون هادئة حانية وهي تحمل هذا الرضيع الذي سيكون نبيًا فيما بعد، ومثلما أصدر الله تعالى أمره للنار أن تكون بردًا وسلامًا على إبراهيم، كذلك أصدر أمره للنيل أن يحمل موسى بهدوء ورفق حتى يسلمه قصر فرعون، وحملت المياه هذا الصندوق العزيز إلى قصر فرعون، وهناك أسلمه الموج للشاطئ، وفي ذلك الصباح خرجت زوج فرعون تتمشى في حديقة القصر، وعندما ذهبت الجواري ليملأن الجرار من النهر، وجدن الصندوق، فحملنه كما هو إلى زوجة فرعون، فأمرتهن أن يفتحنه ففتحنه، فرأت موسى بداخله فأحست بمحبة في قلبها، فحملته من الصندوق، فاستيقظ موسى وبدأ يبكي، كان جائعًا يحتاج إلى رضعة،فجاءت زوجة فرعون إليه، وهي تحمله بين يديها. فسألها من أين جاءت بهذا الرضيع؟ فحدثته بأمر الصندوق. فقال بقلب لا يعرف الرحمة: لا بد أنه أحد أطفال بني إسرائيل. أليس المفروض أن يقتل أطفال هذه السنة؟ فذكرت آسية – امرأة فرعون – زوجها بعدم قدرتها على الإنجاب وطلبت منه أن يسمح لها بتربيته، فسمح لها بذلك. وعاد موسى للبكاء من الجوع، فأمرت بإحضار المراضع فحضرت مرضعة من القصر وأخذت موسى لترضعه فرفض أن يرضع منها، فحضرت مرضعة ثانية وثالثة وعاشرة وموسى يبكي ولا يريد أن يرضع. فاحتارت زوجة فرعون ولم تكن تعرف ماذا تفعل، لم تكن زوجة فرعون هي وحدها الحزينة الباكية بسبب رفض موسى لجميع المراضع، فلقد كانت أم موسى هي الأخرى حزينة باكية، لم تكد ترمي موسى في النيل حتى أحست أنها ترمي قلبها في النيل، غاب الصندوق في مياه النيل واختفت أخباره، وجاء الصباح على أم موسى فإذا قلبها فارغ يذوب حزنًا على ابنها، وكادت تذهب إلى قصر فرعون؛ لتبلغهم نبأ ابنها وليكن ما يكون. لولا أن الله تعالى ربط على قلبها وملأ بالسلام نفسها, فهدأت واستكانت وتركت أمر ابنها لله، وكل ما في الأمر أنها قالت لأخته: اذهبي بهدوء إلى المدينة وحاولي أن تعرفي ماذا حدث لموسى، وذهبت أخته موسى بهدوء ورفق إلى جوار قصر فرعون، فإذا بها تسمع القصة الكاملة. رأت من بعيد وسمعت بكاءه، ورأتهم حائرين لا يعرفون كيف يرضعونه، سمعت أنه يرفض كل المراضع، فقالت لحرس فرعون: هل أدلكم على أهل بيت يرضعونه ويكفلونه ويهتمون بأمره ويخدمونه؟ فرحت زوجة فرعون كثيرًا لهذا الأمر، وطلبت منها أن تحضر المرضعة، وعادت أخت موسى وأحضرت أمه، وأرضعته فرضع، وتهللت زوجة فرعون وقالت: (خذيه تنتهي فترة رضاعته, وأعيديه إلينا بعدها، وسنعطيك أجرًا عظيمًا على تربيتك له). لم يكن بين الشدة والفرج إلا يوم وليلة، فسبحان من بيده الأمر، يجعل لمن اتقاه من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا.
معاقون.. تحدوا اليأس! *الرسام الإيراني صادقي المصاب بشلل كلي، يتمدد على سريره ويضع الفرشاة بين كفيه ويبدأ بتدوين انطباعاته بالألوان الزيتية على القماش الأبيض، يقول: (تعرضت منذ كنت في السادسة عشرة من عمري إلى حادث ارتطام بسيارة أدى إلى إصابتي بكسر في الفقرة السابعة من رقبتي, ومنذ ذلك التاريخ وأنا مصاب بالشلل في جسمي من مستوى الرقبة وما دون بما في ذلك أصابعي نفسها التي لا تقوى على الحراك, وأضاف تلقيت بوادر التشجيع والتحفيز من أصدقائي ومعارفي لممارسة الرسم الذي وجدت رغبة شخصية في اكتشاف أعماقه، وغني عن القول أنه لم تكن لدي الرغبة قط في ممارسة فن الرسم قبل تعرضي للحادث ولم أفكر يومًا بأن أكون رسامًا في المستقبل. -ابن المقفع: *الكاتب الفذ الذي تقفعت أصابعه لكثرة كتابته, ورغم ذلك واصل كفاحه في الحياة إلى أن مات تحت كتبه، وهو الذي ترجم كليلة ودمنة إلى العربية ومعنى المقفع: هو الذي تقبضت أصابع يديه من داء أو برد, وقيل: إنه كان يضع يديه المقفعتين من البرد في جيبه. -ستيفن هوكينغ: البروفيسور البريطاني الفيزيائي يعتبر من أعظم علماء الفيزياء في التاريخ مع العلم أنه يعاني من شلل رباعي منذ الطفولة. -بشار بن برد الشاعر الضرير الذي يعد من شواهد الإبداع المرتبط بالإعاقة البصرية في العصر القديم. -رهين المحبسين (أبو العلاء المعري): أبرز الشعراء المعاقين وسمى نفسه رهين المحبسين (العمى والمنزل)وتأثرت بكتبه بعض المؤلفات الأوروبية. -البردوني. (شاعر يمني كفيف) وأحد أبرز شعراء العرب المعاصرين ولقب بمعري العصر الحديث؛ لتاريخه الطويل في الإبداع والصراع مع الحياة. -كلاس السويدي (عالم الجينات) أصيب بشلل في عموده الفقري عند ممارسته لرياضة الغطس, ثم حقق بعد سنتين من ذلك نصرًا علميًا في تلقيح الجينات. -ريان مارتن (طبيب معاق) وكان أفضل لاعبي التنس في المعاقين والمصنف رقم 21 على العالم. -د/طه حسين ولد طه حسين عام 1889، وعاش طفولته الباكرة في إحدى قرى الريف المصري، ثم انتقل إلى الأزهر للدراسة، ولم يوفق فيه، فتحول إلى الجامعة المصرية، وحصل منها على الشهادة الجامعية، ثم دفعه طموحه لإتمام دراساته العليا في باريس، وبالرغم من اعتراضات مجلس البعثات الكثيرة، إلا أنه أعاد تقديم طلبه ثلاث مرات، ونجح في نهاية المطاف في الحصول على شهادة الدكتوراة في باريس. بعد عودته لمصر، أنتج أعمالاً كثيرة قيمة منها على هامش السيرة، والأيام، ومستقبل الثقافة في مصر، وغيرها. ***
| |
|