حمزة القناوي
العمر : 42 رقم العضوية : 41307 عدد المشاركات : 1395 نقاط النشاط : 8194 التقييم : 67 الجنس : من : وسام البحيرة :
| موضوع: صور من ابتلاء العلماء (1) 24/9/2011, 6:39 pm | |
|
صور من ابتلاء العلماء (1) بين سعيد بن جبير والحجاج الثقفي كان الحجاج بن يوسف, فاسق بني ثقيف, واليا لعبد الملك, يأخذ بالشبهات ويتحرى المناوئين في جميع البلاد الاسلامية لحكم أميره وسيده. فيصب المحن عليهم دون هوادة ولا خوف من الله المقتدر الجبار, وكان خالد بن عبد الملك القسري واليا على مكة المكرمة وقد علم بوجود ابن جبير في ولايته فألقى القبض عليه واعتقله, ثم أراد أن يتخلص منه فأرسله مخفورا مع اسماعيل بن واسط البجلي الى الحجاج بن يوسف. قال الحجاج: ما أسمك؟ سعيد: سعيد بن جبير. الحجاج: بل أنت شقي بن كسير. سعيد: بل كانت أمي أعلم باسمي منك. الحجاج: شقيت أمك وشقيت أنت. سعيد: الغيب يعلمه غيرك. الحجاج: لا بد لك بالدنيا نارا تلظى. سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك الها. الحجاج: ما قولك في محمد؟. سعيد: نبي الرحمة وامام الهدى. الحجاج: ما قولك في علي, أهو في الجنة أم هو في النار؟.. سعيد: لو دخلتها وعرفت من فيها, عرفت أهلها. الحجاج: ما قولك في الخلفاء؟. سعيد: لست عليهم بوكيل. الحجاج: فأيهم أعجب اليك؟. سعيد: أرضاهم لخالقي. الحجاج: فأيهم أرضى للخالق؟. سعيد: علم ذلك عند الذي يعلم سرهم ونجواهم. الحجاج: أحب أن تصدقني. سعيد: ان لم أحبك لن أكذبك. الحجاج: فما بالك لم تضحك؟. سعيد: وكيف يضحك مخلوق خلق من طين, والطين تأكله النار!!. الحجاج: فما بالنا نضحك؟. سعيد: لم تستو القلوب. ثم أمر الحجاج باللؤلؤ والزبرجد والياقوت, فجمعه بين يديه. قال سعيد: ان كنت جمعت هذا لتتقي به فزع يوم القيامة فصالح والا ففزعة واحدة تذهل كل مرضعة عما أرضعت, ولا خير في شيء من الدنيا الا ما طاب وزكا. ثم دعا الحجاج بالعود والناي, فلما ضرب بالعود ونفخ بالناي بكى سعيد. فقال: ما يبكيك؟ أهو اللعب؟. قال سعيد: هو الحزن, أما النفخ فذكرني يوما عظيما يوم ينفخ في الصور, وأما العود فشجرة قطعت من غير حق!! وأما الأوتار فمن الشاة تبعث يوم القيامة!!. قال الحجاج: ويلك يا سعيد. فقال لا ويل لمن زحزح عن النار وأدخل الجنة. قال الحجاج: اختر يا سعيد أي قتلة أقتلك؟. فقال: اختر أنت لنفسك فوالله لا تقتلني قتلة الا قتلك الله مثلها في الآخرة. قال: أتريد أن أعفو عنك؟. فقال: ان كان العفو فمن الله, وأما أنت فلا براءة لك ولا عذر. قال الحجاج: اذهبوا به فاقتلوه, فلما خرج ضحك فأخبر الحجاج بذلك فردوه اليه. وقال: ما أضحكك؟. فقال: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عليك. فأمر بالنطع فبسط. وقال: اقتلوه. فقال سعيد: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين. قال الحجاج: وجهوا به لغير القبلة. قال سعيد: فأينما تولوا فثمّ وجه الله. قال الحجاج: كبوه على وجهه. قال سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى. قال الحجاج: اذبحوه. قال سعيد: أما أنا فأشهد أن لا اله الا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله, خذها مني حتى تلقاني بها يوم القيامة, اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي. (وفيّات الأعيان 2\371).
بين حطيط والحجاج جيىء بالعالم حطيط الزيات الى الحجاج, فلما دخل عليه.. قال: أنت حطيط. قال: نعم. قال حطيط: سل عمّا بدا لك, فاني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال: ان سئلت لأصدقن, وان ابتليت لأصبرن, وان عوفيت لأشكرن. قال الحجاج: فما تقول فيّ؟. قال: أقول فيك أنك من أعداء الله في الأرض تنتهك المحارم وتقتل بالظنة. قال: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟ قال: أقول أنه أعظم جرما منك, وانما أنت خطيئة من خطاياه. فأمر الحجاج أن يضعوا عليه العذاب, فانته به العذاب الى أن شقق له القصب, ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة, حتى انتحلوا لحمه, فما سمعوه يقول شيئا, فقيل للحجاج أنه في آخر رمق. فقال: أخرجوه فارموا به في السوق. قال جعفر (وهو الراوي): فأتيته أنا وصاحب له, فقلنا له: يا حطيط ألك حاجة؟. قال: شربة ماء. فأتوه بشربة ثم استشهد, وكان عمره ثماني عشرة سنة رحمه الله. (الحياء الجزء الخامس ص 54).
بين سعيد بن المسيّب وهشام بن اسماعيل قال يحيى بن سعيد, كتب هشام بن اسماعيل والي المدينة الى عبد الملك بن مروان أن أهل المدينة قد أطبقوا على البيعة للوليد وسليمان الا سعيد بن المسيّب. فكتب أن اعرضه على السيف, فان مضى فاجلده خمسين جلدة وطف به في أسواق المدينة, فلما قدم الكتاب على الوالي, دخل سليمان بن يسار وعروة بن الزبير وسالم بن عبد الله على سعيد بن المسيّب وقالوا: جئناك في أمر؛ قد قدم كتاب عبد الملك ان لم تبايع ضربت عنقك, ونحن نعرض عليك خصالا ثلاثا فأعطنا احداهن, فان الوالي قد قبل منك أ، يقرأ عليك الكتاب فلا تقل لا ولا نعم. قال: يقول الناس بايع سعيد بن المسيّب, ما أنا بفاعل. وكان اذا قال (لا) لم يستطيعوا أن يقولوا نعم. قالوا: تجلس في بيتك ولا تخرج الى الصلاة أياما, فانه يقبل منك اذا طلبك من مجلسك فلا يجدك. قال: أنا أسمع الآذان فوق أذني حيّ على الصلاة حيّ على الصلاة, ما أنا بفاعل. قالوا: فانتقل من مجلسك الى غيره, فانه يرسل الى مجلسك فان لم يجدك أمسك عنك. قال: أفرقا من مخلوق!! ما أنا متقدم شبرا ولا متأخر. فخرجوا وخرج الى صلاة الظهر فجلس في مجلسه الذي كان فيه, فلما صلى الوالي بعث اليه فأتي به. فقال: ان أمير المؤمنين كتب يأمرنا ان لم تبايع ضربنا عنقك. قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين: بيعة للوليد ومثلها لسليمان في وقت واحد, فلما رآه لم يجب أخرج الى السدة فمدت عنقه وسلّت السيوف, فلما رآه قد مضى أمر به فجرّد فاذا عليه ثياب من شعر. فقال: لو علمت ذلك ما اشتهرت بهذا الشأن, فضربه خمسين سوطا ثم طاف به أسواق المدينة. فلما ردّوه والناس منصرفين من صلاة العصر قال: ان هذه الوجوه ما نظرت اليها مذ أربعين سنة*. ومنعوا الناس أن يجالسوه فكان من ورعه اذا جاء اليه أحد يقول له قم من عندي, كراهية أن بسببه. *(لأنه كان لا ينظر الى قفا رجل في الصلاة. اذ كان يصلي في الصف الأول ولم تفته تكبيرة الاحرام رضي الله عنه). (وفيات الأعيان 2\377, وسير أعلام النبلاء 4\231, والحلية 2\170).
بين أبي حازم وسليمان بن عبد الملك حين قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وهو يريد مكة, أرسل الى عالمها الجليل أبي حازم فلما دخل عليه قال سليمان: يا أبا حازم, ما لنا نكره الموت؟. فقال: لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم, فكرهتم أن تنقلوا من العمران الى الخراب. فقال سليمان: كيف القدوم على الله؟. قال: يا أمير المؤمنين, أما المحسن كالغائب يقدم على أهله, وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه. فبكى سليمان وقال: ليت شعري, ما لي عند الله؟. قال أبو حازم: اعرض نفسك على كتاب الله حيث قال:{ انّ الأبرار لفي نعيم وان الفجار لفي جحيم}. قال سليمان: فأين رحمة الله؟. قال: قريب من المحسنين. قال: يا أبا حازم أي عباد الله أكرم؟. فقال: أهل البر والتقوى. قال: فأي الأعمال أفضل؟. فقال: أداء الفرائض مع اجتناب المحارم. قال: أي الكلام أسمع؟. فقال: قول الحق عند من تخاف وترجو. قال: فأي المؤمنين أخسر؟. فقال: رجل خطأ في هوى أخيه وهو ظالم, فباع آخرته بدنياه. قال سليمان: ما تقول فيما نحن فيه؟. فقال: أو تعفيني؟. قال: لا بد, فانها نصيحة تلقيها اليّ. فقال: ان آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة المسلمين ولا رضا منهم, حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا فلا شعرت بما قالوا وما قيل لهم. فقال رجل من جلسائه: بئسما قلت. قال أبو حازم: ان الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه. فقال سليمان: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح للناس؟. قال: تدع الصلف وتستمسك بالعروة وتقسم بالسويّة. قال: كيف المأخذ به؟. قال: أن تأخذ المال في حقه وتضعه في أهله. قال: يا أبا حازم ارفعاليّ حوائجك؟. قال: تنجيني من النار وتدخلني الجنة؟. قال:ليس ذلك اليّ. قال: فلا حاجة لي غيرها. ثم قام فأرسل اليه بمائة دينار فردها اليه ولم يقبلها. (وفيات الأعيان 2\423).
بين عالم وسليمان بن عبد الملك دخل أحدهم على سليمان بن عبد الملك, فقال له سليمان: تكلّم. فقال: يا أمير المؤمنين اني مكلمك بكلام فاحتمله وان كرهته, فان وراءه ما تحب ان قبلته. فقال: انا نجود بسعة الاحتمال على من نرجو نصحه ولا نأمن غشه, فكيف بمن نأمن غشه ونرجو نصحه. فقال: يا أمير المؤمنين انه تكنّفك رجال أساؤوا الاختيار لأنفسهم وابتاعوا دنياهم بدينهم, ورضاك بسخط ربهم, خافوك في الله تعالى ولم يخافوا الله فيك, حرب الآخرة سلم الدنيا, فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه, فانهم لم يألوا في الأمانة تضييعا وفي الأمّة خسفا وعسفا, وأنت مسؤول عما اجترحوا وليسوا بمسؤولين عما اجترحت, فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك, فان أعظم الناس غبنا من باغ آخرته بدنيا غيره. فقال له سليمان: أما أنك قد سللت لسانك وهو أقطع من سيفك. قال: أجل يا أمير المؤمنين ولكن لا عليك. (الاحياء الجزء الخامس ص 122). بين غلام عمر بن عبد العزيز لما وليّ الخلافة عمر بن عبد العزيز, وفدت الوفود من كل بلد لبيان حاجتها وللتهنئة, فوفد عليه الحجازيون فتقدم غلام هاشمي للكلام وكان حديث السن. فقال عمر: لينطق من هو أسنّ منك. فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين, انما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه, فاذا منح الله عبدا لسانا لافظا وقلبا حافظا استحق الكلام وعرف فضله من سمع خطابه, ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك من هذا منك. فقال عمر: صدقت, قل ما بدا لك. فقال الغلام: أصلح الله أمير المؤمنين: وحن وفد تهنئة لا وفد مرزئة, وقد أتيناك لمنّ الله الذي منّ علينا بك, ولم يقدمنا اليك الا رغبة ورهبة. أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا, وأما الرهبة فقد أمنا جورك بعدلك. فقال عمر: عظني يا غلام. فقال: أصلح الله أمير المؤمنين, ان ناسا من الناس غرّهم حلم الله عنهم وطول أملهم وكثرة ثناء الناس عليهم, فزلّت بهم الأقدام فهووا في النار. فلا يغرّنك حلم الله عنك وطول أملك وكثرة ثناء الناس عليك, فتزل قدمك فتلحق بالقوم. فلا جعلك الله منهم وألحقق بصالحي هذه الأمة. ثم سكت. فقال عمر: كم عمر الغلام؟ فقيل له ابن احدى عشرة سنة, ثم سأل عنه فاذا هو من ولد سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنهم, فأثنى عليه خيرا ودعا له.
بين مكحول ويزيد بن عبد الملك
جلس التابعي الجليل مكحول عالم أهل الشام في مجلسه يلقي درسه كعادته وحوله طلاب العلم يأخذون عنه, اذ أقبل الخليفة الأموي يزيد بن عبد الملك في زينته وتبختره وجاء الى حلقة مكحول, فأراد الطلاب أن يوسعوا له. فقال مكحول: دعوه يتعلم التواضع. (سير أعلام النبلاء 5\150). | |
|