حمزة القناوي
العمر : 42 رقم العضوية : 41307 عدد المشاركات : 1395 نقاط النشاط : 8194 التقييم : 67 الجنس : من : وسام البحيرة :
| موضوع: صور من ابتلاء العلماء (2) 24/9/2011, 6:57 pm | |
|
بين طاووس وهشام بن عبد الملك ان هشام بن عبد الملك قدم حاجا الى مكة فلما دخلها قال: ائتوني برجل من الصحابة. فقيل: يا أمير المؤمنين قد تفانوا. فقال: من التابعين. فأتي بطاووس اليماني العالم الجليل رحمه الله. فلما دخل عليه خلع نعليه بحاشية بساطه ولم يسلم عليه بامرة المؤمنين. ولكن قال: السلام عليك يا هشام. ولم يكنه وجلس بازائه. وقال: كيف أنت يا هشام؟ فغضب هشام غضبا شديدا حتى همّ بقتله. فقيل له: أنت في حرم الله وحرم رسوله, ولا يمكنك ذلك. فقال: يا طاووس, ما الذي حملك على ما صنعت؟. قال: وما الذي صنعت. قال هشام: خلعت نعليك بحاشية بساطي ولم تقبّل يدي ولم تسلم بامرة المؤمنين ولم تكنني وجلست بازائي دون اذني وقلت كيف أنت يا هشام؟!. فقال: أما ما فعلت من خلع نعلي بحاشية بساطك فاني أخلعها بين يدي رب العزة كل يوم خمس مرات ولا يعاقبني ولا يغضب عليّ, وأما قولك لم تقبّل يدي فاني سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: لا يحلّ لرجل أن يقبّل يد أحد الا امرأته من شهوة أو ولده من رحمة. وأما قولك لم تسلم عليّ بامرة المؤمنين فليس كل الناس راضين بامرتك, فكرهت أن أكذب, وأما قولك لم تكنني فان الله سمّى أنبياءه وأولياءه فقال يا داود ويا يحيى ويا عيسى, وكنّى أعداءه فقال تبّت يدا أبي لهب وتب. وأما قولك جلست بازائي فاني سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: اذا أردت أن تنظر الى رجل من أهل النار فانظر الى رجل جالس وحوله قوم قيام. فقال هشام: عظني. قال: سمعت أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه يقول: انّ في جهنّم حيّات كالقلال وعقارب كالبغال تلدغ كل أمير لا يعدل في رعيّته. ثم قام وخرج. (وفيّات الأعيان 2\510).
بين طاووس وابن نجيح عن ابن طاووس قال: كنت لا أزال أقول لأبي أنه ينبغي أن يخرج على هذا السلطان, وأن يفعل به. قال: فخرجنا حجاجا فنزلنا في بعض القرى وفيها عامل _يعني لأمير اليمن_ يقال له ابن نجيح وكان من أخبث عمّالهم, فشهدنا صلاة الصبح في المسجد, فجاء ابن نجيح فقعد بين يدي طاووس فسلم عليه فلم يجبه, ثم كلمه فأعرض عنه, ثم عدل الى الشق الآخر فأعرض عنه, فلما رأيت ما به قمت اليه فمددت يده وجعلت أسائله, وقلت له: ان أبا عبد الرحمن لم يعرفك, فقال العامل: بلى, معرفته لي فعلت ما رأيت. قال: فمضى أبي لا يقول لي شيئا فلما دخلت المنزل قال: أي لكع بينما أنت زعمت تريد أن تخرج عليهم بسيفك لم تستطع أن تحبس عنه لسانك. (سير أعلام النبلاء 5\41).
بين طاوس وسليمان بن عبد الملك جاء الخليفة سليمان بن عبد الملك يوما الى طاووس فلم ينظر اليه فقيل له في ذلك. فقال: أردت أن يعلم أن لله رجالا يزهدون فيما لديه. (وفيات الأعيان 2\424). بين طاووس والمنصور ورد أن أبا جعفر المنصور استدعى طاووس _احد علماء عصره_ ومعه مالكبن أنس_ رحمهما الله تعالى. فلما دخلا عليه, أطرق ساعة ثم التفت الى طاووس. فقال له: حدثني عن أبيك يا طاووس (ابن كيسان التابعي). فقال: حدثني أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" أشدّ الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في حكمه فأدخل عليه الجور في عدله". فأمسك ساعة. قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه. ثم التفت اليه أبو جعفر, فقال: عظني يا طاووس. قال: نعم يا أمير المؤمنين, ان الله تعالى يقول:{ ألم ترى كيف فعل ربك بعاد * ارم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد* وثمود الذين جابوا الصخر بالواد* وفرعون ذي الأوتاد* الذين طغوا في البلاد* فأكثروا فيها الفساد* فصبّ عليهم ربك سوط عذاب* ان ربك لبالمرصاد}. قال مالك: فضممت ثيابي مخافة أن يملأني من دمه. فأمسك عنه ثم قال: ناولني الدواة, فأمسك ساعة حتى اسودّ ما بيننا وبينه, ثم قال: يا طاووس, ناولني هذه الدواة. فأمسك عنه. فقال: ما يمنعك أن تناولنيها؟. فقال: أخشى أن تكتب بها معصية لله فأكون شريكك فيها. فلما سمع ذلك قال: قوما عني. قال طاووس: ذلك ما كنا نبغ منذ اليوم. قال مالك: فما زلت أعرف لطاووس فضله. (تذكرة الحفاظ 1\160. وفيات الأعيان 2\511).
بين ابن أبي ذؤيب وأبي جعفر المنصور عن الامام الشافعي رحمه الله تعالى, قال: حدثني عمي محمد بن علي قال: اني لحاضر مجلس أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور وفيه ابن أبي ذؤيب وكان والي المدينة الحسن بن يزيد. قال: فأتى الغفاريون فشكوا الى أبي جعفر شيئا من أمر الحسن بن يزيد. فقال الحسن: يا أمير المؤمنين, سل عنهم ابن أبي ذؤيب. قال: نسأله. فقال: ما تقول فيهم يا ابن أبي ذؤيب؟. فقال: أشهد أنهم يحطمون في أعراض الناس, كثيرو الأذى عليهم. فقال أبو جعفر: أفسمعتم؟. فقال الغفاريون: يا أمير المؤمنين, سله عن الحسن بن يزيد. فقال: يا ابن أبي ذؤيب, ما تقول في الحسن بن يزيد؟. فقال: أشهد أنه يحكم بغير الحق ويتبع هواه. فقال: سمعت يا حسن ما قال فيك وهو الشيخ الصالح؟. فقال: يا أمير المؤمنين, سله عن نفسك. فقال: ما تقول فيّ؟. قال: تعفيني يا أمير المؤمنين. قال: أسألك بالله الا أخبرتني؟. قال: تسألني بالله كأنك لم تعرف نفسك!!. قال: والله لتخبرني؟. قال: أشهد أنك أخذت المال من غير حقه فجعلته في غير أهله وأشهد أن الظلم ببابك فاش. قال: فجاء أبو جعفر من موضعه حتى وضع يده في قفا ابن أبي ذؤيب فقبض عليه. ثم قال: أما والله لولا أني جالس ههنا لأخذت فارس والروم والديلم والترك بهذا المكان منك. قال: فقال ابن أبي ذؤيب: يا أمير المؤمنين قد ولّي أبو بكر وعمر وأخذا الحق وقسما بالسوية وأخذا بأقفاء فارس والروم وأصغرا أنوفهم. قال: فخلّى أبو جعفر قفاه وخلى سبيله. قال: والله لولا أني أعلم أنك صادق لقتلتك. فقال ابن أبي ذؤيب: والله يا أمير المؤمنين اني لأنصح لك من ابنك المهدي. قال: فبلغنا أن ابن أبي ذؤيب لما انصرف من مجلس المنصور لقيه سفيان الثوري. فقال: يا أبا الحارث: لقد سرّني ما خاطبت به هذا الجبار ولكن ساءني قولك له "ابنك المهدي". فقال: يغفر الله لك يا أبا عبد الله كلنا مهدي, كلنا كان في المهد. (الاحياء الجزء السابع ص 27).
بين الحسن البصري والحجاج الثقفي لما ولي الحجاج بن يوسف الثقفي العراق وطغى في ولايته وتجبّر, كان الحسن البصري أحد الرجال القلائل الذين تصدوا لطغيانه وجهروا بين الناس بسوء أفعاله وصدعوا بكلمة الحق في وجهه, من ذلك أن الحجاج بنى لنفسه بناء في واسط, فلما فرغ منه نادى في الناس أن يخرجوا للفرجة عليه والدعاء له بالبركة. فلم يشأ الحسن أن يفوّت على نفسه فرصة اجتماع الناس هذه, فخرج اليهم ليعظهم ويذكّرهم ويزهدهم بعرض الدنيا ويرغبهم بما عند الله عز وجل, ولما بلغ المكان ونظر الى جموع الناس وهي تطوف بالقصر المنيف مأخوذة بروعة بنائه مدهوشة بسعة أرجائه مشدودة الى براعة زخارفه, وقف فيهم خطيبا, وكان في جملة ما قاله: لقد نظرنا فيما ابتنى أخبث الأخبثين فوجدنا أن فرعون شيد أعظم مما شيّد وبنى أعلى مما بنى ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشيّد. ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه, وأن أهل الأرض قد غرّوه.. ومضى يتدفق على هذا المنوال حتى أشفق عليه أحد السامعين من نقمة الحجاج فقال له: حسبك يا أبا سعيد.. حسبك, فقال له الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليبيننه للناس ولا يكتمونه. وفي اليوم التالي دخل الحجاج الى مجلسه وهو يتميز من الغيظ وقال لجلاسه: تبا لكم وسحقا, يقوم عبد من عبيد أهل البصرة ويقول فينا ما يشاء أن يقول ثم لايجد فيكم من يردّه أ, ينكر عليه, والله لأسقينّكم من دمه يا معشر الجبناء. ثم أمر بالسيف والنطع فأحضرا, ودعا بالجلاد فمثل واقفا بين يديه, ثم وجه الى الحسن البصري بعض شرطة وأمرهم أن يأتوا به. وما هو الا قليل حتى حضر الحسن, فشخصت اليه الأبصار ووجفت عليه القلوب, فلما رأى الحسن السيف والنطع والجلاد حرّك شفتيه, ثم أقبل على الحجاج وعليه جلال المؤمن وعزة المسلم ووقار الداعية الى الله. فلما رآه الحجاج على حاله هذا هابه أشد الهيبة وقال له: هاهنا يا أبا سعيد.. هاهنا.. ثم ما زال يوسع له ويقول: هاهنا.. الناس ينظرون اليه فيدهشة واستغراب حتى أجلسه على فراشه. ولما أخذ الحسن مجلسه التفت اليه الحجاج وجعل يسأله عن بعض أمور الدين, والحسن يجيبه كل مسألة بجنان ثابت وبيان ساحر وعلم واسع. فقال له الحجاج: أنت سيّد العلماء يا أبا سعيد, ثم دعا بغالية وطيّب له بها لحيته وودّعه. ولما خرج الحسن من عنده تبعه حاجب الحجاج وقال له: يا أبا سعيد لقد دعاك الحجاج بغير ما فعل بك, واني رأيتك عندما أقبلت ورأيت السيف والنطع فحرّكت شفتيك, فماذا قلت؟. فقال الحسن: لقد قلت: يا ولي نعمتي وملاذي عند كربتي, اجعل نقمته بردا وسلاما عليّ كما جعلت النار بردا وسلاما على ابراهيم. (صور من حياة التابعين 2\17).
بين أبي يوسف القاضي وهارون الرشيد عندما طلب هارون الرشيد من أبي يوسف القاضي وضع كتاب الخراج لم يفت القاضي أن يقدم النصيحة للخليفة في مقدمة الكتاب فقال: يا أمير المؤمنين: ان الله وله الحمد, قد قلّدك أمرا عظيما, ثوابه أعظم الثواب, وعقابه أشد العقاب, قلدك أمر هذه الأمة, فأصبحت وأمسيت وأنت تبني لخلق كثير, قد استرعاكهم الله وائتمنك عليهم وابتلاك بهم وولاك أمرهم, وليس يلبث البنيان اذا أسس على غير التقوى أن يأتيه الله من القواعد فيهدمه على من بناه وأعان عليه. فلا تضيّعن ما قلدك الله من أمر هذه الأمة الرعية, فان القوة في العمل باذن الله, لا تؤخر عمل اليوم الى الغد, فانك اذا فعلت ذلك أضعت, ان الأجل دون الأمل, فبادر الأجل بالعمل فانه لا عمل بعد الأجل, ان الرعاة مؤدون الى ربهم ما يؤدي الراعي الى ربه فأتم الحق فيما ولاك الله وقلدك ولو ساعة من نهاره, فانّ أسعد الرعاة عند الله يوم القيامة راع سعدت رعيّته, ولا تزغ فتزيغ رعيّتك, وايّاك والأمر بالهوى والأخذ بالغضب واذا نظرت الى أمرين, أحدهما للآخرة والآخر للدنيا فاختر أمر الآخرة على الدنيا, فان الآخرة تبقى والدنيا تفنى ولكن من خشية على حذر, واجعل الناس عندك في أمر الله سواء القريب والبعيد, ولا تخف في الله لومة لائم, واحذر فان الحذر في بالقلب وليس باللسان, اتق الله فانما التقوى بالتوقي, ومن يتقي الله يتقه. اني أوصيك يا أمير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله, ورعاية ما استرعاك الله, وألا تنظر في ذلك الا اليه وله, فانك ان لا تفعل تتوعّر عليك سهولة الهدى وتعمى في عينيك وتتخفى رسومه, ويضيق عليك رحبه, وتنكر منه ما تعرف, وتعرف منه ما تنكر, فخاصم نفسك خصومة من الفلج لها لا عليها, فان الراعي المضيّع يضمن ما هلك على يديه ما لو شاء رده عن مواطن الهلكة باذن الله. وأورده أماكن الحياة والنجاة فان ترك ذلك أضاعه وان تشاغل بغيره كانت الهلكة عليه أسرع وبه آخذ. واذا أصلح كان أسعد من هنالك بذلك, ووفاه الله أضعاف ما وفى له. فاحذر أ، تضيع رعيّتك فيستوفي ربها حقها منك ويضيّعك بما أضعت أجرك, وانما يدعم البنيان قبل أن ينهدم, وانما لك من عملك ما عملت فيمن ولا الله أمره, فلست تنسى ولا تغفل عنهم وعما يصلحهم, فليس يغفل عنك ولا يضيع حقك من هذه الدنيا. وأوصيك في هذه الليالي والأيام بكثرة تحريك لسانك في نفسك بذكر الله تسبيحا وتهليلا وتمجيدا والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة وامام الهدى. (مقدمة كتاب الخراج للامام أبي يوسف القاضي). | |
|